قراءة كتاب

المبحث الثالث: إيحاءات صلاة الجماعة فيما يتعلق بالفرد المسلم كعضو في جماعة المسلمين (6)

المجتمع المثالي الذي ننشده - الفصل الثاني

رابعاً: الحرية

المسلم في صلاة الجماعة يمتلك قدراً من الحرية في عدد من الأعمال التي يقوم بها في الصلاة. فله الحرية في إتباع مذهب ما، وله الحرية في أن يقلد عالماً من علماء المسلمين. ونتيجةً لهذه الحرية نجد تفاوتاً في بعض الأعمال لدى المصلين، فهذا يستفتح بدعاء غير الدعاء الذي يستفتح به الآخر، وذاك يضع يده اليمنى على اليسرى في صلاته وغيره يرسلهما، وغيرها من الفروع التي اختلف فيها العلماء، والتي هي محل اجتهاد، ولا تتعدى إلى الواجبات والأركان.

وكذا نجد الحرية في صلاة الجماعة في الفتح على الإمام، والرد عليه إن أخطأ، فلا يمتلك ذلك الحق أفرادً دون آخرين. يقول الدكتور يوسف القرضاوي: “وأما حرية الرأي والنقد فحسبك أن الإمام إذا أخطأ في قول أو فعل من أقوال الصلاة وأفعالها، كان على من وراءه من المصلين أن يصلحوا له الخطأ، وأن يردوه إلى الصواب، يستوي في ذلك الشيخ والشاب والغلام، والرجل والمرأة، فإذا هذا يصحح قراءته، وذاك يقول له (سبحان الله)، وتلك تصفق بيديها.. حتى يعود إلى الحق والسداد.”[1]

ولهذا نجد أن الحرية هنا ليست مطلقة، بل هي مقيدة بضوابط وتشريعات تنظمها، فهناك أركان للصلاة لا يصح فيها الاجتهاد وحرية الرأي، بل الاتباع والالتزام، وهناك مساحة لا بأس بها يستطيع المسلم أن يأخذ فيها بما يراه صحيحاً وبما لا يخالف الشارع.

والحرية الشاملة المنضبطة – التي ليس فيها تعدٍ على الآخرين ولا تجاوزٍ لحدود الله – مكفولة لكل فرد في المجتمع المسلم. ولهذا سعى الإسلام إلى تحرير العبيد من الرِّق وشرع شرائع تمنع استرقاق الناس وتسعى إلى تحرير ما تبقى منهم، كما حرر المرأة من الاستعباد. بل وحرر العقول من الأوهام والخرافات ومن التقليد الأعمى، وحرر الفكر وأطلقه ليسبح في ملكوت السماوات والأرض.

والحرية في الإسلام (هي تلك التي تنبع من تكليف إلهي لتتأسَّس عليها أمانةُ المسئولية ورسالة الاستخلاف – استخلاف الله للإنسان في الأرض- التي هي جماع المقاصد الإلهية من خلق الإنسان، فالحرية هي الطريق الذي يمكِّن الإنسان من الفعل المعبِّر عن إرادته في أي ميدان من ميادين الفعل أو الترك، وبأي لون من ألوان التعبير.

 هي تلك التي صاغها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب حين قال: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!”، ويسير على دربه الإمام عليٌّ- كرم الله وجهه- حين خاطب الإنسان: “لا تكن عبدَ غيرِك وقد جعلك الله حرًّا“.

 هي التي تجعل من الأمة مصدرًا للسلطات؛ حيث تختار حاكمَها عن رضىً، وحيث يَحيا الحاكمُ في كنف هذا الرضى متعايشًا مع نص الأصل النبوي في الحكم الذي صاغه الرسول- عليه الصلاة والسلام- قائلاً: “خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم“.. قال: قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟! قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة” رواه مسلم.

 وهي التي يربي عليها الحاكمُ رعيتَه، كما فعل الخليفة أبو بكر الصديق أولَ ما تولّى الخلافةَ، حين خطب في الناس فقال: “أيها الناس إني وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم، إن رأيتموني على حقٍّ فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسدِّدوني، أطيعوني ما أطعتُ الله فيكم، فإن عصيتُ فلا طاعةَ لي عليكم“.. إمامٌ يدعو شعبَه للجُرأة في الحق ليبنيَ بعزِّهم مجدَ أمته.

 وعلى ذات الدرب سار الفاروق عمر حين وقف أحدُ أبناءِ شعبِه قائلاً: “اتقِ الله يا ابن الخطاب..!!” فهمَّ إليه بعضُ أصحابه قائلين له “لا تقل هذا لأن..”، فقاطعهم الحاكم بمقولةٍ خلَّدها له تاريخُ الحرية “دعه يقولها.. لا خيرَ فيكم إذا لم تقولوها، ولا خيرَ فينا إذا لم نسمعها.. رحم الله امرءًا أهدى إليَّ عيوبَ نفسي“..!! وليت عمر وقف عند هذا الحد، بل دَعا المحكومين للإيجابية ولاقتناصِ حريتِهم حين خطب في الشعب قائلاً: “من رأى منكم فيَّ اعوجاجًا فليقومْني“.. فقام واحد منهم ليقول “لو رأينا فيك اعوجاجًا لقوَّمناه بحدِّ سيوفنا”.. ساعتَها لم يأمر عمر بقانون الطوارئ، ولم يفتح أبواب معتقلاته، ولم يطرق باب الرجل ليلاً، ولم يحبسه خمسةَ عشرَ يومًا على ذمة التحقيقات.. بل قال “الحمد لله الذي جعل في الرعية من يُقوِّم اعوجاجَ عمرَ بحدِّ سيفه“..!! )[2]

وإذا غابت الحرية ظهر الاستبداد وظهر المستبدّون، وظهر من يقول (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) بعبارات صريحة أو ضمنية، فيتكبر على الرعية ويتعالى عليهم، ولبرز من يقول صراحة أو ضمناً (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) فينشر الأباطيل والخرافات، ولوجد من يستخف قومه (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ) فلا يأبه لآلامهم ولا لمعاناتهم. وفي ظل غياب الحرية يعيش القوم الفاسقون الذي يطيعون المستبد على الرغم من هذا الاستخفاف (فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) لأنهم تخلوا عن حقهم ورضوا بهذا الاستبداد فعاشوا عيش العبيد في ذل وانكسار، وفي الحديث “من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بوارد علي الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وهو وارد علي الحوض.” رواه النسائي.

“وإذا غابت الحرية وجد من ينتصر لرأيه ويرفض قبول الرأي الآخر، ووجد من يستأثر بالحقوق العامة التي يتوجب عليه أن يشارك الآخرين فيها، ووجد من يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم ويحكمهم بهواه لا بشريعتهم، ووجد من يود أن تكون رعيته كالغنم سمعًا وطاعةً ليس لهم من هدف إلا خدمة مصالحه، ولا يسعهم إلا السجود أمام شخصه، ما داموا يعيشون في كنف دولته وتحت رعايته.”[3]

الحرية والاختلاف

وبوجود الحرية سيوجد الاختلاف ويوجد التباين في وجهات النظر، وهذا أمر طبيعي، يقول الله تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ{118} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ…. {119} سورة هود. والطبيعي في هذا الأمر أن يختلف الناس في الفروع لا في الأصول، وفي الجزئيات لا الكليات. “ولعلم الله بما فطر عليه عباده وإرادته الرحمة بهم اكتفى منها بأن تلتقي وتتفق وتتوحد مواقفها وأحكامها إزاء القضايا الكلية، والأمور الأساسية، والقواعد الكبرى. فقد جاء الإسلام بقواعد ثابتة ومعالم واضحة وأصول كلية التقى عليها العقل والنقل، تحدد الحق الذي تعبدنا الله به تحديداً صريحاً واضحاً لا يقبل التعدد ولا تختلف فيها الأفهام، فأصبح الرجوع إليها واجباً، والتسليم بها ملزماً، والاختلاف عليها غير جائز، إذ أنه من الخلاف والتمزق {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} يونس32، والحكمة تقول: (الناس إذا لم يجمعهم الحق فرقهم الباطل). ولقد حدد أهل العلم القواعد والمعالم والأصول التي لا يجوز فيها الخلاف بأمور ثلاثة هي:

  1. ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
  2. ما هو من النصوص قطعي الورود قطعي الدلالة.
  3. ما انعقد عليه الإجماع من علماء الإسلام.

فهذه هي الأمور الكلية والأصول الثابتة التي اتفق سلف الأمة وخلفها على أن الخلاف فيها غير جائز شرعاً، وأن الحق فيها واضح صريح لا يتعدد.

أما ما عدا ذلك من الأمور الفرعية التي يحتاج استنباط الحكم فيها إلى اجتهاد وإعمال فكر وأهلية نظر، فإن الخلاف فيها مقبول شرعاً، بل هو أمر فطري نتيجة اختلاف الأفهام وقصور الإدراك وتباين الملكات، بل إن الخلاف في مثل هذا لمن سماحة الإسلام ويسره ورفع الحرج عن الأمة.

وأما الفروع والجزئيات فقد ترك الإسلام الباب فيه مفتوحاً لاجتهاد المجتهدين، واستنباط القادرين على استخراج الحكم من كلياته ضمن ما حدده علماء الأصول من قواعد لذلك، وما دام الخلاف في هذا الإطار فهو الخلاف الجائز المقبول الذي يتردد بين الخطأ والصواب، وللمجتهد المصيب أجران وللمخطئ أجر، ولقد درج سلف هذه الأمة وخلفها على هذا النوع من الخلاف منذ عهد النبوة، وسيظل قائماً ما بقي هذا الدين، ومن هنا أخذ شرعيته كخلاف مقبول.”[4].

وقد شُرع الحوار البنّاء لتقريب وجهات النظر والتوصل إلى الرأي الأصوب والوصول إلى الحقيقة ثم إتباعها. والقرآن مليء بنماذج من الحوارات التي تبين أهمية هذا الأسلوب للتوصل إلى الرأي الأصوب، حتى مع من يخالفك في الأصول، فالحوار هو الوسيلة الأولى وربما الأنجع للوصول إلى الحقيقة واتباعها، ومن هذه الحوارات التي ذكر في القرآن حوار إبراهيم u مع النمرود، قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾  (البقرة 258). ومنها حوار موسى u مع فرعون، قال تعالى: ﴿… قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿٢٣﴾ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ﴿٢٤﴾ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ ﴿٢٥﴾ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴿٢٦﴾ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴿٢٧﴾ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴿٢٨﴾ الشعراء.

والرسول الكريم r كان كثيرا ما يستخدم الحوار مع الآخرين لإقناعهم بالدين الحق وصرفهم عن الطريق المعوج. فعن أبي أمامة الباهلي أن غلاماً أتى النبيَّ r، فقال: يا نبي الله؛ أتأذن لي في الزنا؟ فصاح الناس به، فقال النبي r: قربوه، ادنُ. فدنا حتى جلس بين يديه؛ فقال النبي r: أتحبه لأمك؟ فقال: لا؛ جعلني الله فداك. قال: كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم. أتحبه لابنتك؟ قال: لا؛ جعلني الله فداك. قال: كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم. أتحبه لأختك؟  وزاد ابن عوف حتى ذكر العمة والخالة، وهو يقول في كل واحدة: لا؛ جعلني الله فداك.  ورسول الله r يقول: وكذلك الناس لا يحبونه ..، فوضع رسول الله r يده على صدره، وقال: اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصّن فرجه. فلم يكن شيء أبغض إليه منه.

وينبغي ألا نخلط – عند الاختلاف – بين المبادئ والأشخاص، فإن ذلك يوسع الخلاف ويمنع الوصول إلى الحقيقة، يقول محمد بن المختار الشنقيطي: “إن الذي يتأمل نصوص الشرع ومصائر الأمم يدرك أن الخلط بين المبادئ والأشخاص من أسوأ الأدواء الفكرية والعملية. وقد أمرنا النبي r بإتباع سنته بإطلاق، لأنه معصوم: “عليكم بسنتي..”، ثم أمرنا بإتباع سنة الخلفاء من بعده، لكنه قيدها بالرشد: “وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي“. وفي ذلك درس ثمين في التمييز بين الشخص والمبدأ، حتى ولو كان ذلك الشخص أحد الخلفاء الراشدين.”[5]، وينبغي أن يكون منهج المختلفين “قائم على التوازن بين احترام مكانة الأشخاص والتقيد بقدسية المبادئ.”[6]

وحينما تضيق مساحة الحرية يضيق معها القبول بالرأي الآخر وخاصة المعارض منه، عند ذلك يستخدم من يملك القوة أو السلطة قوته وسلطته من أجل إسكات معارضه. وعند النظر في حوار موسى مع فرعون نجد أن فرعون ضاق ذرعاً بموسى ودعوته، فلجأ إلى القوة التي يملكها (قوة السلطة والسلاح) بعد أن عجز عن التغلب على موسى بالحجة والبرهان، قال تعالى: ﴿قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَـٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴿٢٩﴾ الشعراء. وكذلك الحوار الذي حدث بين الحَجّاج والي العراق وسعيد بن جبير خير دليل على ضيق سعة صدر الطرف الآخر وعلى الاستعلاء والغطرسة والسخرية مما يقوله معارضه:

قال الحجاج لسعيد: ما اسمك؟

قال: سعيد بن جبير.

الحجاج: أنت الشقي بن كسير.

سعيد: أبي كان أعلم باسمي منك.

الحجاج: شقيت وشقي أبوك.

سعيد: الغيب يعلمه الله.

الحجاج: لأبدلنك بالدنيا نارا تلظي.

سعيد: لو علمت أنك كذلك لاتخذتك إلها.

الحجاج: ما رأيك في الخلفاء؟

سعيد: لست عليهم بوكيل.

الحجاج: اختر لنفسك قتلة أقتلك بها؟

سعيد: اختر أنت يا حجاج .. فو الله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة.

الحجاج: أتحب أن أعفو عنك؟

سعيد: إن كان العفو فمن الله.

الحجاج لجنده: اذهبوا به فاقتلوه! فضحك سعيد بن جبير وهو يتأهب للخروج مع جند الحجاج.

الحجاج: لماذا تضحك؟

سعيد: لأني عجبت من جرأتك على الله ومن حلم الله عليك.

الحجاج: اقتلوه .. اقتلوه.

سعيد: إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين.

الحجاج: وجهوا وجهه إلى غير القبلة.

سعيد: فأينما تولوا فثم وجه الله.

الحجاج: كبوه على وجهه.

سعيد: “منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى”

الحجاج: اذبحوه!!

سعيد: أما إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله.

ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: خذها مني يا عدو الله حتى نتلاقى يوم الحساب: ‘اللهم اقصم أجله، ولا تسلطه على أحد يقتله من بعدي’.

وقد يظن ظان أن الحجاج انتصر في هذا الأمر، لكنه في الحقيقة انهزم وانكسر، ولجوؤه إلى هذا الطريق في اسكات خصمه، ما هو إلا دليل على انهزامه، وعجزه عن مواجهة الخصم بالحجة والبرهان.

ويهدف الحوار إلى تقريب وجهات النظر والوصول إلى رأي موحد حول موضوع معين أو مشكلة ما. والخروج بحلول لهذه المشكلة قد يكون قبل المشكلة لتفادي وقوعها، ومنع تكَوُّن أسبابها، وقد يكون أثناء المشكلة لحلها واحتواء مضاعفاتها، أو لتنفيسها ومنع انفجارها وانتشارها. وحتى يحقق الحوار هدفه لا بد من الالتزام بقواعد الحوار وآدابه. ومن هذه الآداب:

  1. عدم الجزم بأن الحق مع طرف من الأطراف، قال تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} سبأ24، فإن في ذلك منع للتعصب الممقوت للرأي. بل لا بد من جعل الحق هدفاً يسعى الجميع إلى الوصول إليه.
  2. احترام رأي الآخر ولو كان خطأً في نظر المحاور، وعدم القطع بخطئه، قال تعالى: {قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} سبأ25، فوصف النبي r موقفه بقوله {أَجْرَمْنَا}، رغم أنه على الحق. وليس في احترام رأي الآخر – الخاطئ في نظر المحاور – احترام للخطأ، وإنما وصولاً بالحوار إلى تحقيق الهدف وهو الوصول إلى الحقيقة. ولن يصل الحوار إلى هدفه إذا قام أحد المتحاورين أو كلاهما بتسفيه وجهة نظر الآخر ومحاولة إسقاطها.

[1] ) د. يوسف القرضاوي – العبادة في الإسلام صـ228.

[2] ) من رسالة من الأستاذ محمد مهدي عاكف (المرشد العام للإخوان المسلمين) 26/05/2005

[3] ) أنظر تعريف عبد الرحمن الكواكبي للاستبداد في كتابة (طبائع الاستبداد)

[4] ) مؤتمر الوحدة والسلام – كتاب (4)– الأوراق التي أوصى مؤتمر الوحدة والسلام بتعميم نشرها، ص24.

[5] ) محمد بن المختار الشنقيطي – الخلافات السياسية بين الصحابة – رسالة في مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ .

[6] ) المصدر السابق.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى