قراءة كتاب

المبحث الثاني: إيحاءات صلاة الجماعة فيما يتعلق بإمام المسلمين (الحاكم) (1)

المجتمع المثالي الذي ننشده - الفصل الثاني

إن مما لا يقبله عقل ولا يقره منطق أن يبقى الناس بدون قائد يقودهم أو أمير يرعى مصالحهم ويحفظ عليهم وحدتهم، يأتمرون بأمره ويسيرون تحت لوائه. فبدون هذا الأمر لا يستقيم الناس على أمر ولا تستقر حياتهم، ولكانت حياتهم فوضى، ولكثر السلب والنهب، ولساد الخوف والرعب، ولصاروا فريسة سهلة للآخرين. وحياة العرب قبل الإسلام خير دليل على ذلك، فالسلب والنهب والتفرق والتشرذم والتبعية للآخر كانت من سمات العرب قبل الإسلام، لأنه لم يكن لهم – مجتمعين – قائداً يقودهم.

وقد توصل الإنسان إلى أهمية هذا الأمر عن طريق العقل، ثم جاء الإسلام وجعل ذلك واجباً شرعياً، يُؤجر من قام به، ويؤثم من تركه، ففي الحديث عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي r قال: “لا يحل لثلاثة أن يكونوا بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم” مسند الإمام أحمد. “يقول ابن تيمية – رحمه الله: (فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرب بها إلى الله، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات.)”[1]

ووظيفة الحاكم في الإسلام حماية الدين وسياسة الدنيا به، وتطبيق الشرع وحمل الناس على الالتزام به، ومراقبة سير هذا الالتزام. يقول الدكتور عبدالكريم زيدان: “والقول الجامع في سياسة الدنيا بالدين هو إدارة شؤون الدولة والرعية على وجه يحقق المصلحة ويدرأ المفسدة، وهذا يتم إذا كانت إدارة شؤون الحياة وفقاً لقواعد الشريعة ومبادئها وأحكامها المنصوص عليها أو المستنبطة منها وفقاً لقواعد الاجتهاد السليم. فهذه هي السياسة الشرعية لأمور الدنيا بالدين.”[2]

وفي هذا المبحث سيرى القارئ الكريم بعضاً من إيحاءات صلاة الجماعة فيما يتعلق بالحاكم المسلم.

وستتم المقارنة بين إمام المصلين في صلاة الجماعة وإمام المسلمين (الحاكم) من حيث:

  1. تعريف الإمام
  2. المبادرة إلى اختياره
  3. الاختيار يتم وفق شروط
  4. كراهية إمامة الفاسق
  5. العلاقة بين الراعي والرعية علاقة حب ومودة
  6. الواجبات والأعمال:
    1. مسؤولية الحاكم
    1. كراهية الترفع على الرعية والاحتجاب دونهم
    1. تحمل ما تعجز عنه الرعية
    1. الرفق بالناس من غير لين
    1. النصح والاجتهاد للمسلمين وتفقد أحوالهم والحرص على وحدتهم
    1. اختيار البطانة الصالحة
    1. معاملة الناس بالتساوي
  7. ينطبق عليه ما ينطبق على الرعية من الأحكام والقوانين
  8. الاستخلاف وجواز انتقال الإمام مأموماً

أولاً: تعريف الإمام

لو بحثنا عن تعريف “الإمام” وعلى أي شيء تُطلق هذه الكلمة لوجدنا أن هناك تطابقاً في التسمية وتشابهاً في الأعمال بين إمام الصلاة وإمام المسلمين في الدولة المسلمة. ففي الموسوعة العربية الميسرة يُعرف “إمام” على أنه ” هاد، مرشد، من يُقتدى به في الصلاة، والنبي r أول إمام في الإسلام، والخلفاء الراشدون أئمة من بعده. ثم أُريد بالإمامة ما يساوي الخلافة، فالإمام رئيس السلطة القضائية والإدارية والحربية، ولا بد أن تتوفر فيه صفات أخصها الشجاعة والفصاحة والاجتهاد. يُختار من بين المسلمين..”[1]

من هذا التعريف يتضح أن لفظ “الإمام” يُطلق على من يؤمّ الناس في صلاة الجماعة، ويطلق أيضاً على إمام المسلمين في الجماعة المسلمة (الحاكم).

“يقول الأستاذ العقاد: (من أدل الكلمات على معناه كلمة الإمام، وقد تدل الشروط المطلوبة ممن يتولى الإمامة بإجمال لا يحتاج إلى تفصيل طويل، فالإمام هو الذي يؤم الناس في إقامة الأحكام، والشروط المطلوبة منه تجتمع في القدرة على إقامتها، فكل قادر على أن يؤم الناس، ويحفظ الأحكام فهو صالح للإمامة في الإسلام.”[2]

“ولُقِّب رئيس الدولة الإسلامية بهذا اللقب (الإمام) لأنه يؤمّ المسلمين في صلاتهم، وفي تدبير شؤونهم ورعاية مصالحهم، وهم يقتدون به ويقتفون أثره ويطيعون أمره كما يقتدي المأموم بالإمام.”[3]

ثانياً: المبادرة إلى اختياره

على المسلمين أن يقوموا باختيار من يؤمهم في صلاة الجماعة، لأنه أمر لا بد منه لانعقاد صلاة الجماعة، فبدون اختيار الإمام لن تنعقد جماعة، ولصلى الناس فرادا. فإذا ما خلا مكان الإمام في الصلاة وأصبح شاغراً فعلى المصلين أن يبحثوا عن رجل من بينهم ليجعلوه إماماً لهم. فعندما ذهب رسول الله r إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، وحانت الصلاة بدأ الصحابة يبحثون عن إمام لهم فجاء المؤذن إلى أبي بكر فطلب منه إمامة الناس، فصلى بالناس. عن سهل بن سعد الساعدي t أن رسول الله r ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر، فقال: أتصلي بالناس فأقيم؟ قال: نعم، قال: فصلى أبو بكر ….. الحديث) صحيح مسلم.

وحين مرض النبي r وثقل ولم يستطع أن يصلي بالناس، (أرسل إلى أبي بكر أن يصلي بالناس، فأتاه الرسول فقال: إن رسول الله r يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر: – وكان رجلاً رقيقاً – يا عمر صلِّ بالناس، قال: فقال عمر: أنت أحق بذلك)، قالت عائشة رضي الله عنها: فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام .. رواه مسلم.

وكذلك الأمر في تنصيب إمام المسلمين، فتنصيبه واجب على المسلمين شرعاً وعقلاً، يقول الدكتور الوكيل: (ونصب الإمام الذي يرعى شئون المسلمين، ويدبر أمورهم، واجب شرعاً وعقلاً. أما عقلاً فلأن الناس لا تستقيم بغير إمام يسوسهم، ويحفظ عليهم وحدتهم، ويجمع شتاتهم، ولو تُرك الناس بغير إمام لكانت الفوضى، وكانت الاعتداءات، وكان السلب والنهب، وهذا هو المشاهد الملموس، ولنا في حياة العرب قبل الإسلام أكبر شاهد.

وأما شرعاً فلأن الرسول r أمر بتنصيب الإمام في الجماعة الصغيرة، ليشير بذلك إلى لزومه من باب أولى للجماعة الكبيرة، يقول r: “إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم” رواه أبو داود. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي r قال: “لا يحل لثلاثة أن يكونوا بفلاة من الأرض إلا أمّروا عليهم أحدهم.”[4]

ومبادرة الصحابة – أنصاراً ومهاجرين – بعد وفاة النبي r إلى اختيار إماماً للمسلمين – وذلك قبل دفنه عليه الصلاة والسلام – خير دليل على أهمية هذا الأمر.

قال العلامة إبراهيم البيجوري في كتابه المسمى “تحفة المريد على جوهرة التوحيد” المتوفى سنة 1276هـ: (وقد أجمعت الصحابة “على تنصيب الإمام” بعد مفارقته الدنيا r واشتغلوا به عن دفنه r، لأنه توفي يوم الاثنين عند الزوال فمكث ذلك اليوم وليلة الثلاثاء، ودفن r في آخر ليلة الأربعاء، وقال أبو بكر t: ولا بد لهذا الأمر من يقوم به فانظروا وهاتوا آراءكم رحمكم الله تعالى. فقالوا من كل جانب من المسجد صدقت صدقت، ولم يقل أحد منهم لا حاجة بنا إلى إمام.)[5]

ثالثاً: الاختيار يتم وفق شروط

إن اختيار الإمام لصلاة الجماعة يتم وفق شروط ومعايير حددتها السنة النبوية المطهرة. فمن توافرت فيه هذه الشروط وهذه المعايير كان هو الأحق – وفق الشرع – بإمامة الناس في صلاة الجماعة، وبهذا يتم الاختيار ويحسم الأمر فلا يكون هناك تنازع ولا اختلاف. فالأقرأ لكتاب الله هو من يستحق الإمامة، فإن تساوى عدد من المصلين في إجادة قراءة كتاب الله، فأعلمهم بالسنة، فإن استووا فالأقدم هجرة، فإن استووا فالأكبر سناً. وكذلك الرجل في سلطانه أو بيته أو مجلسه أحق بالإمامة من غيره – ولو كان هناك من هو أقرأ وأفقه منه، فإذا أذِن لأحدٍ غيره جاز له ذلك، وذلك للأحاديث التالية:

عن أبي سعيد t قال: قال رسول الله r: “إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم” رواه أحمد ومسلم والنسائي، والمراد بالأقرأ: الأكثر حفظاً، لحديث عمرو بن سلمه وفيه: “ليؤمكم أكثركم قرآناً“.

وحديث ابن مسعود t قال: قال رسول الله r: “يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً، ولا يؤمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد على تركمته[6] إلا بإذنه“. وفي لفظ: “لا يُؤمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في أهله ولا سلطانه” رواه أحمد ومسلم .

(فإن تساووا في الخصال المذكورة في الحديث نُظر إلى أتقاهم وأورعهم، فإن تساووا في التقى، أُقرع بينهم؛ والقرعة سبيل شرعي إلى فض التنازع عند المشاحة، وهي مذكورة في القرآن وفي السنة، ففي القرآن في قصة زكريا عليه السلام وتنازعهم أيهم يكفل مريم عليها السلام قال تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} آل عمران44. وفي السنة قوله r: “لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا …” رواه البخاري ومسلم. وقد أقرع سعد بن أبي وقاص t بين أناس تشاحوا في الأذان. قال بعض أهل العلم: والإمامة أولى.)[7]. وقد ذكر الفقهاء شروط للإمام منها: العقل – الطهارة الكاملة – البلوغ – العدالة – الذكورة – القدرة على توفيت الأركان القولية والفعلية – ..[8].

وكما أن اختيار الإمام في صلاة الجماعة مبني على شروط ومعايير تتناسب مع المهمة التي يقوم بها، فإن اختيار إمام المسلمين (الحاكم) ينبغي أن يكون اختياراً مدروساً مبنياً على معايير وشروط متفق عليها من قبل أهل العلم من المسلمين. لأنه يترتب على هذا الاختيار نتائج تنعكس آثارها على الأمة المسلمة بأكملها، فإذا كان الاختيار موفقاً ومبنياً على المعايير والشروط التي تتناسب مع هذه المهمة الخطيرة، انعكس ذلك الاختيار على الأمة إيجاباً، وكانت النتائج تماسك وقوة وتقدم وهيبة. وإذا كان الاختيار غير موفق لانعكس أثر ذلك على الأمة سلباً، ولكانت النتائج تفرق وضعف وتدهور في شتى مجالات الحياة وهوان.

وقد ذكر العلماء شروطاً عدة لمن يتولى رئاسة الدولة الإسلامية من هذه الشروط: الإسلام – العدالة – الكفاءة – العلم – المواطنة[9].

“والمقصود بالعدالة أن يكون المرشح لهذا المنصب الخطير قائماً بالفرائض والأركان، متوقياً الكبائر من الآثام، لا يصر على الصغائر، وأن يكون صادق اللهجة، ظاهر الأمانة، بعيداً عن الريب، مأموناً وقت الرضا والغضب، مستعملاً لمروءة مثله في دينه ودنياه، لا يجاهر بمعصية، ولا يجور في الحكم.”[10]

وأما الكفاءة فيقصد بها: ” أن يكون متصدياً إلى مصالح الأمة وضبطها، ذا نجدة وشجاعة، يجهز الجيوش ويسد الثغور، وذا رأي سديد، يفضي إلى سياسة الرعية وتدبير شئون الأمة، يحقق مصالحها، ويدرأ المفاسد عنها، وذا حنكة سياسية، ويقظة واعية، بعيداً عن الغفلة، له علم بأحوال الرجال وأخلاقهم وكفاءاتهم، حتى يختار الكفء منهم، ليستعين به، ويوسد الأمر المناسب إليه.”[11]

وإذا دعت مصلحة الجماعة المسلمة إضافة شروط أخرى – كاشتراط عُمْرٍ معين أو اشتراط الحصول على درجات علمية معينة أو غير ذلك من الشروط – فعلماؤنا لا يرون في ذلك بأساً.[12]

رابعاً: كراهية إمامة الفاسق

ويُكره إمامة الفاسق للمصلين إذا وجد من هو خير منه. فعن السائب بن خلاد أن رجلاً أَمّ قوماً فبصق في القبلة، ورسول الله r ينظر إليه، فقال رسول الله: “لا يصلي لكم“. فأراد بعد ذلك أن يصلي بهم، فمنعوه وأخبروه بقول النبي r، فذكر ذلك للنبي، فقال: “نعم، إنك آذيت الله ورسوله” رواه أبو داود وابن حبان، وسكت عنه المنذري. [13]

يقول الدكتور القليصي: “وكذلك الإمام المحدث حدثاً أكبر أو أصغر فلا يجوز متابعته بإجماع العلماء، هذا إذا كان الحدث معلوماً. فمن علم بحدثه وتابعه فصلاته باطلة باتفاق العلماء.”[14]

وإذا كانت العدالة شرط لمن يتولى رئاسة الدولة الإسلامية، فإن الفاسق لا تجوز إمارته، لأن رئيس الدولة منوط به حماية الدين وإقامة أحكام الإسلام، والفاسق متهاون في الدين مستهتر بأحكام الإسلام لا يتورع عن الآثام والمنكرات، بل ربما يشجعها. والحاكم المسلم مطالب بإقامة العدل بين الناس ورد المظالم إلى أهلها، والفاسق لا يتورع عن ظلم الآخرين وأخذ حقوقهم ومحاباة الأقربين والمحبين. والحاكم المسلم مأمور بتأديب الفسقة والخارجين على القانون، والفاسق يقربهم منه زلفى، ويوليهم مناصب في الدولة المسلمة. والحاكم المسلم حصن حصين ضد أعداء الإسلام، يحرص على أن يسد أي ثغرة قد يُؤتى الإسلام من قبلها، بينما الفاسق يُخشى أن يؤتى الإسلام من قبله. والحاكم المسلم يجاهد أعداء الإسلام ويعد العدة لذلك، في حين أن الفاسق يوالي أعداء الدين ويتحالف معهم ضد الإسلام والمسلمين. الحاكم المسلم يجعل المصلحة العامة مقدمة على مصلحته الشخصية ويسعى إلى تدبير مصالح العباد، بينما الفاسق يجعل مصلحته الفردية مقدمة على مصالح العباد ويسعى إلى ذلك جهده، ولا يتورع عن اخذ حقوق العباد والبلاد.

والتأريخ خير شاهد على ذلك، فحينما تولى الفسقة إدارة البلاد الإسلامية كانت هذه أعمالهم، وكانوا وبالاً على الإسلام والمسلمين، ولا يزال المسلمون إلى الآن يعانون من هذا الصنف من الحكام ومن أفعالهم[15].

يقول الدكتور أبو فارس: (وعلى هذا فلا تجوز إمارة الفاسق، لأنه متهاون في الدين، ومستهتر بأحكام الإسلام، ولا يبالي بارتكاب الآثام، ولا يتورع عن ظلم الآخرين، ومحاباة المحبين. والخليفة مأمور بمحاربة المنكرات، وتأديب الفسقة، والخارجين على القانون. فكيف يولى من يقترف مثل هذه الأعمال، ويؤتى الدين من قبله؟)[16]

خامساً: العلاقة بين الراعي والرعية علاقة حب ومودة

العلاقة بين المصلين في المسجد – إماماً ومأمومين – علاقة حب ومودة. فالكراهية لن تجد لها مكانا ما دام الكل قائم بما عليه من واجبات، مُؤدٍ لما عليه من حقوق. لذلك شرع النبي r لمن أراد أن يؤم قوماً أن يستأذنهم، وأن لا يخص نفسه بدعوة دونهم، وإلا فإن ذلك من الخيانة التي تُضعف المحبة والمودة، وتوجد الكراهية، ففي الحديث عن أبي هريرة عن النبي r أنه قال: “لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤمّ قوماً إلا بإذنهم، ولا يخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم” رواه أبو داود بإسناد رجاله كلهم ثقات.[17]

أما إذا وجدت الكراهية – المبنية على أسباب شرعية – بين الإمام والمأمومين، فإن الإسلام – في هذه الحالة – ينهى عن إمامة الرجل لمن هم له كارهون، فعن ابن عباس t  عن رسول الله r أنه قال: “ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أمّ قوماً وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان” رواه ابن ماجة، قال العراقي: إسناده حسن. وعن عبد الله بن عمروا – رضي الله عنهما – أن رسول الله r كان يقول: “ثلاثةٌ لا يقبل الله منهم صلاة: من تقدّم قوماً وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دباراً، ورجل اعتبد محرره[18]” رواه أبو داود وابن ماجه.[19]

يقول الدكتور القليصي: “وتكره إمامة رجل كَرِهه المأمومون إذا كرهوه لمعنى مذموم شرعاً، كمن تغلّب على إمامة الصلاة وهو لا يستحقها، أو لا يؤدي الصلاة تأدية كاملة بسننها وواجباتها، أو يعاشر أهل الظلم والفسق وسفلة الناس، فقد صرح عامة الفقهاء بكراهية الصلاة خلف إمام مكروه.”[20]

وكذلك ينبغي أن تكون عليه الجماعة المسلمة والمجتمع لمسلم. فالحاكم المسلم يبادل رعيته الحب والمودة، والصلوات والنصائح. وإذا كان الحاكم كذلك فهو من خيرة الأئمة، أما إذا سادت الكراهية بين الحاكم والمحكوم، وانتشر اللعن والطعن بينهما، فإن هذه العلاقة لا شك أنها من أشرّ العلاقات، وهنا يصف النبي r هذا النوع من الحكام بأنهم شرار الأئمة، فعَن عوفِ بن مالكٍ t قال: سمِعْتُ رسولِ اللَّه r يقولُ: «خِيَارُ أَئمَتكُمْ الَّذينَ تُحِبُّونهُم ويُحبُّونكُم، وتُصَلُّونَ علَيْهِم ويُصَلُّونَ علَيْكُمْ، وشِرَارُ أَئمَّتِكُم الَّذينَ تُبْغِضُونهُم ويُبْغِضُونَكُمْ، وتَلْعُنونَهُمْ ويلعنونكم» قال: قُلْنا يا رسُول اللَّهِ، أَفَلا نُنابِذُهُمْ؟ قالَ: «لا، ما أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، لا، ما أَقَامُوا فيكُمُ الصَلاة» مسلم. قوله: «تُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ»: تَدْعونَ لهُمْ.[21]

والكراهية التي تظهر بين الحاكم والمحكوم منشأها الأعمال الخاطئة التي يقوم بها مثل هؤلاء الحكام من ظلم للمحكومين وسلب للحقوق وموالاة للأعداء وتولية الفسقة مناصب هامة في الدولة المسلمة واستبعاد الصالحين ومحاربة للدين وأهله وغيرها من الأعمال المزعزعة لأركان الحكم والمقطعة لأواصر العلاقة بين الحاكم ورعيته.


[1] ) الموسوعة العربية الميسرة – بإشراف محمد شفيق غربال – المجلد الأول صـ217.

[2] ) د. محمد السيد الوكيل. القيادة والجندية في الإسلام صـ22.

[3] ) د. محمد عبد القادر أبو فارس. النظام السياسي في الإسلام صـ176.

[4] ) د. محمد السيد الوكيل – القيادة والجندية في الإسلام صـ22ـ

[5] ) د. محمد عبد القادر أبو فارس. النظام السياسي في الإسلام صـ162.

[6]) التركمة : ما يفرش لصاحب المنزل ويبسط له خاصة .

[7] ) فؤاد بن عبد العزيز الشلهوب – الإمام والمؤذن.

[8] ) أنظر فقه العبادات للدكتور: علي أحمد القليصي (الجزء الأول) صـ244.

[9] ) أنظر النظام السياسي في الإسلام  صـ178 وما بعدها.

[10] ) د. محمد عبد القادر أبو فارس – النظام السياسي في الإسلام . صـ186.

[11] ) المصدر السابق صـ187.

[12] ) انظر النظام السياسي في الإسلام صـ 197.

[13] )  السيد سابق. فقه السنة (المجلد الأول) صـ210.

[14] ) د. علي أحمد القليصي. فقه العبادات ( الجزء الأول ) صـ 234.

[15] ) ولهذا قامت الثورات – هذه الأيام – في البلاد الإسلامية على الحكام الفسقة الذين عاثوا في الأرض الفساد.

 [16]) د. محمد عبد القادر أبو فارس – النظام السياسي في الإسلام صـ186.

[17]) د. علي أحمد القليصي. فقه العبادات (الجزء الأول) صـ250.

[18]) الدبار: أن يأتيها بعد أن تفوته.،”اعتبد محرره” أي اتخذ عبده المعتق عبداً.

[19]) السيد سابق – فقه السنة (المجلد الأول) صـ213ـ.

[20]) د. علي أحمد القليصي – فقه العبادات (الجزء الأول) صـ248ـ.

[21] ) رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين – الإمام أبي زكريا يحي بن شرف النووي الدمشقي.


[1] ) د. محمد السيد الوكيل. القيادة والجندية في الإسلام. صـ23 (نقلاً عن السياسة الشرعية)

[2] ( د. عبدالكريم زيدان – أصول الدعوة صـ232.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى