المبحث الثاني: إيحاءات صلاة الجماعة فيما يتعلق بإمام المسلمين (الحاكم) (4)
المجتمع المثالي الذي ننشده - الفصل الثاني
النصح والاجتهاد للمسلمين وتفقد أحوالهم والحرص على وحدتهم
ففي المسجد، يجب على إمام المسجد أن يجتهد في تعهد المصلين وتعليمهم أمور دينهم، فقد كان النبي r يجتهد في تعليم الناس أمور دينهم – ومنها الصلاة – فكان يقول: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وعندما رأى من لا يحسن الصلاة شرع يعلمه كيفية الصلاة. وفي صلاة الجماعة كان r يحرص أشد الحرص على استواء الصفوف، فقبل الشروع في أي صلاة (جماعة) كان r يُقْبل بوجهه على المصلين ويأمرهم بتسوية الصفوف. بل إنه في أحيان كثيرة كان يسويها بيده، ويمسح على المناكب مبالغة في إقامة الصفوف وتسويتها. عَنِ النُّعْمَانِ بنِ بشيرٍ t قال: سمعتُ رسولَ اللَّه r يقولُ: «لَتُسوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ ليُخَالِفَنَّ اللَّه بَيْنَ وجُوهِكُمْ» متفقٌ عليه، وفي روايةٍ لمسلمٍ: أَنَّ رسولَ اللَّه r كانَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا، حتَّى كأَنَّما يُسَوّي بهَا القِدَاحَ، حَتَّى رَأَى أنَّا قَد عَقَلْنَا عَنْهُ. ثُمَّ خَرَج يَوْماً فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ، فَرَأَى رجُلا بَادِياً صدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ فقالَ: «عِبَادَ اللَّهِ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّه بيْنَ وجُوهكُمْ»، والمراد من مخالفة الوجوه: حصول العداوة والتنافر والبغضاء.
وقد ورد عن النبي r ألفاظ عدة في الأمر بتسوية الصفوف، وفيها دليل على حرصه r على تسوية الصفوف، “فقد ورد عنه أنه كان يقول: (استووا ولا تختلفوا، فتختلف قلوبكم) رواه مسلم، وكان يقول: (سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة) رواه مسلم، وكان يقول – عليه الصلاة والسلام : (أتموا الصفوف… ) رواه مسلم، وكان يقول: (أقيموا الصف في الصلاة، فإن إقامة الصف من تمام الصلاة) رواه مسلم، وكان يقول – عليه الصلاة والسلام: (أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان..) رواه أبو داود، وقال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح، وكان يقول r: (رصوا الصفوف، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق…) رواه أبو داود، وقال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح.”[1]
ومن هنا يتضح كيف كان النبي r شديد الحرص على استواء الصف في الصلاة، وكيف كان يتفقد المصلين قبل البدء بالصلاة، ولا يشرع في صلاةٍ إلا وقد تأكد من استواء الصفوف، ولو لزم الأمر أن يسوي الصفوف بيده لفعل.
بل إن رسول الله r كان يوجه الصحابة إلى ما ينفعهم في صلاتهم – إذا لزم الأمر – قبل وبعد الصلاة، وهذا يدل على اجتهاده r وحرصه على الصحابة ونصحه لهم.
وقد كان النبي r يتفقد أصحابه، ويتفقد حضورهم للصلاة، وينهى عن التأخر، فعن أبي سعيد الخدري t أن رسول الله r رأى في أصحابه تأخراً فقال لهم: (تقدموا فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) رواه مسلم، وكان r يقول: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى منازل قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم) رواه البخاري.
وهكذا ينبغي أن يكون عليه إمام الصلاة. فحرصه على استواء الصفوف، ومتابعته لذلك قبل الشروع في الصلاة، وتوجيهه المصلين قبل وبعد الصلاة إذا لزم الأمر، وتعديله ما اعوج من الصفوف، وأمره بسد الثغرات التي قد تحدث نتيجة التهاون باستواء الصفوف، فيه دلالات منها:
- أن الإمام لا بد له أن يجتهد في الحفاظ على استواء صفوف المصلين، وألا يبخل على المصلين بالنصح والاجتهاد، وأن يوجههم إلى ما ينفعهم في صلاتهم كلما لزم الأمر.
- أن الإمام ينبغي له أن يعلم حال المصلين خلفه لكي يرفق بهم، لاحتمال وجود الضعيف والكبير بين الصفوف.
- ينبغي على الإمام أن يحرص على تربية المسلمين على استواء الصف في الصلاة لأنه منطلق لتراص الصفوف واستوائها في مناحي الحياة المختلفة. ففي اختلاف الصفوف اختلاف في القلوب وحصول العداوات والتنافر والبغضاء، وقد روى مسلم عن ابن مسعود t أن النبي r كان يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: (استووا ولا تختلفوا، فتختلف قلوبكم).
- ينبغي للإمام أيضاً أن يتفقد المصلين معه، وأن يعاتب المتأخرين، وأن يتفقد المتخلفين عن الصلاة، وأن يعظهم ويذكرهم، وأن يقوم بالواجب نحوهم من باب النصيحة، أما أن يترك المتخلفين دون سؤال عنهم أو معاتبتهم فذلك دليل على ضعف في تحمل المسئولية.
هذا هو حال إمام المسجد، الذي هو مسؤول عن مجموعة قليلة من الناس وفي حدود ضيقة، فكيف هي مسؤولية من ولاه الله واسترعاه على خلق كثير من الناس؟ لا شك أن مسؤوليته عظيمة وواجباته كبيرة. فالمسئولية الملقاة على عاتقه تدفعه إلى تفقد أحوال رعيته والحرص على وحدة صف المجتمع وتماسكه، والاجتهاد والنصح لهم، وألا يغشهم. فعن أبي يَعْلى مَعْقِل بن يَسَارٍ t قال: سمعتُ رسول اللَّه r يقول: «ما مِن عبدٍ يسترعِيهِ اللَّه رعيَّةً، يَمُوتُ يومَ يَموتُ وهُوَ غَاشٌ لِرَعِيَّتِهِ، إلاَّ حَرَّمَ اللَّه علَيهِ الجَنَّةَ» متفقٌ عليه، وفي روايةٍ: «فَلَم يَحُطهَا بِنُصْحهِ لم يجِد رَائحَةَ الجَنَّة»، وفي روايةٍ لمسـلم: «ما مِن أَمِيرٍ يَلِي أُمورَ المُسلِمينَ، ثُمَّ لا يَجهَدُ لَهُم، ويَنْصحُ لهُم، إلاَّ لَم يَدخُل مَعَهُمُ الجَنَّةَ»، “قال ابن بطال: وهذا وعيد شديد على أئمة الجور، فمن ضيع من استرعاه الله أو خانهم أو ظلمهم فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة، فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة ؟”[2]
من هنا ينبغي على الإمام أن يجتهد لرعيته وأن ينصح لهم، وإلا فهو غاش لهم، بعيداً كل البعد عن الجنة. “عن علي بن أبي طالب t أنه قال: رأيت عمر بن الخطاب على قتب يعدو، فقلت: يا أمير المؤمنين أين تذهب؟ فقال: بعير ندّ[3] من إبل الصدقة أطلبه. فقلت: لقد أذللت الخلفاء من بعدك، فقال: لا تلمني يا أبا الحسن، فو الذي بعث محمداً بالنبوة لو أن عناقا[4] ذهبت بشاطئ الفرات لأُخذ بها عمر يوم القيامة”[5]. ويقول عمر بن الخطاب – وهو خليفة المسلمين: “لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية حولاً، وإني أعلم أن للناس حوائج تقطع عني آمالهم فلا يصلون إلي، وأما عمالهم فلا يرفعونها إلي، فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى مصر فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البحرين فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين.”[6]
ومن الاجتهاد للرعية:
أن يحرص على توفير حياة كريمة وآمنة لرعيته
الحياة الكريمة ليست حكراً على الكفار وحدهم، ولا هي محرمة على المؤمنين في الدنيا، بل هي لهم في الدنيا، خالصة يوم القيامة، يقول تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} الأعراف32.
وعلى الحاكم أن يوفر الحياة الكريمة لرعيته، والتي تصون وتحفظ كرامتهم. وعليه أن يهيأ الأسباب لذلك ويحارب الفقر والبطالة، ويوفر للشباب فرص العمل، وان يشجعهم على ذلك حتى لا يصيروا عالة على الغير، ويهيئ لهم الظروف، بل ويقدم لهم الدعم إن تطلب الأمر ذلك. فقد روى أصحاب السنن من حديث أنس بن مالك t: أن رجلاً من الأنصار أتى النبي r فقال: “أما في بيتك شيء؟” قال: بلى: حلسُ نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه الماء، قال: “ائتني بهما” فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله r وقال: “من يشتري هذين؟” قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: “من يزيد على درهم؟” مرتين أو ثلاثاً. قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري، وقال: “اشتر بأحدهما طعاماً وانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فأتني به.. فشد فيه رسول الله r عوداً بيده، ثم قال: “اذهب فاحتطب وبعْ.. ولا أرينَّك خمسة عشر يوماً“. فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً، وببعضها طعاماً … إلى آخرا لحديث” رواه أبو داود.
وإن تطلّب الأمر من الحاكم أن يُقرض المحتاج من بيت مال المسلمين فعليه أن يسرع في ذلك، “فقد أشار الفقيه أبو يوسف – رحمه الله – إلى جواز إقراض المحتاج من بيت المال كما نقل عنه الفقيه ابن عابدين: (يدفع للعاجز – أي العاجز عن زراعة أرضه الخراجية لفقره – كفايته من بيت المال قرضاً ليعمل ويستغل أرضه)[7]
وقد كان هذا هو النهج الذي سلكه الخلفاء الراشدون، فهذا عمر t يفرض لكل مولود في الإسلام – أي من بيت مال المسلمين – ويكتب بذلك إلى الآفاق أن يُفرض لكل مولود في الإسلام. وقال قبل أن يصاب بأيام بالمدينة: (لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدا) فما أتت عليه إلا أربعة أيام حتى أصيب.[8]
وكذلك كان عمر بن عبد العزيز. يقول عمر بن أسيد: والله ما مات عمر حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: أجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح بماله كله، قد أغنى عمر الناس.[9]
وعلى الحاكم أن يعطي العاملين أجراً كافياً لتوفير حياة كريمة، ولكي يعفه عن الحرام. ففي الحديث الذي أخرجه أبو داود والحاكم كما في صحيح الجامع الصغير من حديث المستورد بن شداد t، قال رسول الله r: (من كان لنا عاملاً فلم يكن له زوجة فليكتسب زوجه، فإن لم يكن له خادماً فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً، من اتخذ غير ذلك فهو غالٌ أو سارق) رواه أبو داود.
بل إن من واجباته أن يقوم بكفاية من عجز عن ذلك من رعيته ممن يعيش في ظل الدولة المسلمة، بغض النظر عن ديانته. فقد كتب خالد بن الوليد كتاب صلح مع أهل الحيرة.. جاء فيه: “وجعلت لهم أيّما شيخ ضعيف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنياً فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طُرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين وعياله، ما أقاموا بدار الهجرة ودار الإسلام.”
أن يحصّن شعبه بالعلم
وعلى الحاكم أن يجتهد ويحصّن شعبه بالعلم النافع. لأن ذلك حق مكفول لهم في الإسلام. ولأن الجهل سلاح الشيطان في الإغواء، والسلاح الأمضى للأعداء الذي انتصروا به على المسلمين في ميادين شتى بدون حروب. فلم تكن أسلحتهم ولا عتادهم ولا عددهم بأمضى على المسلمين من جهل المسلمين أنفسهم بدينهم وبما ينفعهم في حياتهم من العلوم المعرفية النافعة.
وإذا أراد الحاكم المسلم أن يعيش شعبه كريماً، وأن ينعم بحياة كريمة، فعليه أن يحصنه بالعلم النافع، ويذلل لذلك الصعاب، وأن يكفل لشعبه تعليماً راقياً صافياً، وان يحصنه من السموم الفكرية التي يحرص الأعداء على دسها في المجتمعات المسلمة، والتي يهدفون من خلالها إلى ترويض الشعوب الإسلامية، وسلخها عن هويتها، حتى تصير تابعةً ذليله، لا تملك من أمرها شيء. ولننظر إلى الإمام علي بن أبي طالب t وهو يتأمل في رعيته فيجد أنهم يفتقدون إلى صنف من العلوم، فيسعى هو وأهل الاختصاص إلى توفير ما يحتاجه شعبه من العلوم النافعة، “فعن أبي الأسود الدؤلي، قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t فرأيته مطرقاً مفكراً، فقلت: فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟ قال: إني سمعت ببلدكم هذا لحناً فأردت أن أصنع كتاباً في أصول العربية، فقلت: إن فعلت هذا أحييتنا وبقيت فينا هذه اللغة. ثم أتيته بعد ثلاثة، فألقى إلي صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، الكلمة: اسم وفعل وحرف، فالاسم: ما أنبأ عن المسمى، والفعل: ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف: ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل، ثم قال: تتبعه وزد فيه ما وقع لك، واعلم يا أبا الأسود أن الأشياء ثلاثة: ظاهر ومضمر، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر، وإنما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر. قال أبو الأسود: فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه، فكان من ذلك حروف النصب، فذكرت منها: إنَّ وأنَّ وليت ولعلّ وكأنّ ولم أذكر لكنّ، فقال لي: لم تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها. فقال: بل هي منها، فزدها فيها.”[10]
وهكذا صار عليه خلفاء الإسلام على مرّ العصور، حتى صار العالم الإسلامي منارة تضيء للعلم باسره، “فما بين القرن السابع الميلادي ونهاية القرن السادس عشر الميلادي كانت دمشق وحلب والكوفة وبغداد والقيروان وقرطبة والقاهرة ومراكش وفاس هي المراكز العلمية في العالم، وكانت جامعاتها مزدهرة وصناعاتها متقنة ومتقدمة والعلم في تطور مستمر والعمران في ازدياد فكانت البلاد العربية محجا لطالبي العلم وأعجوبة حضارية غير مسبوقة، كان للعلماء شأن عظيم يحترمهم العامة ويقدرهم الحكام، وكانت هذه الفترة هي فترة تأسيس العلم في العالم فقبل ذلك كانت معارف لا ترتقي لمرتبة العلوم، فلم يبق مجال في العلم مما نعرفه اليوم إلا وكان العرب قد أسسوه.”[11]
كما يبغي على الحاكم أيضاً أن يهيئ المناخات السياسية والثقافية والاجتماعية وأن يحفظ حقوق الإنسان التي تساعد على تحصيل العلم. لأنه “قد تكون المشكلة أن المناخات السياسية والثقافية والاجتماعية وانكماش حقوق الإنسان في بلاد المسلمين تساهم سلبياً باستمرار التردي والتخبط وطرد أهل الخبرة والعلم والإبداع، وتقديم أهل الثقة والولاء، ظناً منها أن الثقة والولاء إنما يكون بالجهل والغباء، وهكذا يتكرس التخلف نتيجة للإصرار على بقاء هذه المناخات، ويُقتل الإبداع، ويحارب تكافؤ الفرص الذي هو من أخص خصائص حقوق الإنسان، وتُلغى الحريات، وتُدمر شخصية الإنسان، وتُسلب إنسانيته باسم المصلحة العليا للوطن، أو الضرورة القصوى للأمن ومواجهة العدو المتربص بنا، وتُعطل عمليات النقد والمراجعة والتشاور، ويُحجر على عقل الإنسان، أساس تكريمه وحقوقه، بحجة أن ذلك يخلخل الصفوف، ويُبصّر العدو بنقاط الضعف، وما إلى ذلك من الفلسفات السائدة المحزنة التي أقل ما يقال فيها: أنها تعطيل للإنسان، وتدمير لحقوقه، وتكريس للتخلف.”[12]
ولا يقتصر العلم على العلوم الشرعية فقط، بل يشمل كل العلوم الحياتية التي فيها نفع للبشرية، “يقول أبوا حامد الغزالي في كتاب: «إحياء علوم الدين» تحت عنوان «بيان العلم الذي هو فرض كفاية»: أما فرض الكفاية (من العلوم المحمودة) فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان، وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرها. وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد ممن يقوم بها لحرج فلا يتعجب من قولنا إن الطب والحساب من فروض الكفايات، فإن أصول الصناعات أيضاً من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة وغيرها.”[13]
فالعلم الذي نتطلع إليه إذا “ليس علماً معيناً محدود البداية والنهاية. فكل ما يوسع منادح النظر، ويزيح السدود أمام العقل النهم إلى المزيد من العرفان، وكل ما يوثق صلة الإنسان بالوجود، ويفتح له آماداً أبعد من الكشف والإدراك، وكل ما يتيح له السيادة في العالم، والتحكم في قواه، والإفادة من ذخائره المكنونة، ذلك كله ينبغي التطلع له والتضلع فيه.”[14]
وقد أمر النبي r زيدَ بن حارثة t أن يتعلم السريانية، لأن هذا النوع من العلم ينتفع به المسلمون، ويأمنوا به مكر اليهود، (قال زيد: أمرني رسول الله r فتعلمت له كتاب يهود بالسريانية. وقال: (إني والله ما آمن يهود على كتابي!) قال زيد: فو الله ما مرّ بي نصف شهر حتى تعلمته وجِدتُ فيه، فكنت أكتب له إليهم، وأقرأ له كتبهم إليه.) البخاري.
[1]) الإمام والمؤذن – فؤاد بن عبد العزيز الشلهوب
[2] ) فتح الباري بشرح صحيح البخاري .
[3] ) ندّ: نفر وذهب على وجهه شاردا.
[4] ) العناق بالفتح: الأنثى من ولد المعز.
[5] ) الإمام الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي – تاريخ عمر بن الخطاب – صـ185.
[6] ) نفس المصدر السابق صـ142.
[7] ) د. عبد الكريم زيدان – أصول الدعوة صـ245.
[8] ) الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي – تاريخ الخلفاء صـ135.
[9] ) المصدر السابق صـ187.
[10] ) الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي – تاريخ الخلفاء صـ144.
[11] ) ويكيبيديا – الموسوعة الحرة – العلم في عصر الحضارة الإسلامية
[12] ) من مقدمة عمر عبيد حسنة – حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون، د. منير حميد البياتي، كتاب الأمة – العدد 88 صـ12.
[13] ) ويكيبيديا – الموسوعة الحرة – العلم في الإسلام
[14] ) محمد الغزالي. خلق المسلم صـ230.